- خصائص اللغة الانسانية
- هل ينفرد الانسان باللغة ؟ الاجابة على هذا السؤال تشبه الاجابة عن السؤال : هل الانسان متفرد بين الحيوانات ؟ فهى تعتمد الى حد بعيد على الخصائص التى يقرر المرء أن يركز عليها ، وأن يجعلها حاسمة فى تعريف اللغة . ومن الجائز على حد سواء أن نركز على الاختلافات الواضحة من حيث النوع ومن حيث الدرجة بين اللغة واللالغة أو على التماثلات الاقل وضوحا ، وقد يميل اللغوى وعالم النفس والفيلسوف الى التأكيد على أوجه الاختلاف بينما يركز السيميولجى ، وعالم الاحياء ، وعالم الاجناس على أوجه الشبه .
فاللغة تتميز بامكانية التحول فى الوسيلة فاللغة بخلاف الشفرات التى تستخدمها كثير من الحيوانات ان لم تكن جميعها بدرجة عالية الى حد بعيد بوجود خاصية قابلية التحول فى الوسيلة ، لذلك فانه من الممكن أن نقرأ بصوت مرتفع ما هو مكتوب ، ومن الممكن كذلك أن نكتب ما نقوله ، ويستطيع المتكلمون المثقفون من أبناء اللغة أن يخبرونا – بصفة عامة – عما اذا كانت عملية تحويل الاشارات اللغوية من وسيلة الى أخرى قد تمت بطريقة سليمة أم لا ، وبقدر حرية اللغة فى اتخاذ الوسيلة التى تتحقق من خلالها اشاراتها اللغوية سنذهب الى ان اللغة لها خاصية القدرة على تغيير الوسيلة ، وهذه الخاصية ذات
اهمية قصوى ولا تتطلب من المرء سوى اهتمام ضئيل فى مجال مناقشتنا لطبيعة اللغة ، وهذه الخاصية تعتمد على خصائص أخرى للغة ، وتسهم معها فى مرونة النظم اللغوية وقدرتها على التكيف .
كما أنها تتميز بالمرونة وتعدد الاستعمالات .
فنحن نستخدم اللغة للتعبير عن انفعالاتنا ومشاعرنا ، ولكى نلتمس تعاون رفاقنا ، ولكى نصوغ وعودنا ووعيدنا ، ولكى نصدر اوامرنا ، او نوجه أسئلتنا ، أو لنصوغ أحكامنا ، ويمكننا أن نشير الى الماضى ، والى الحاضر ، والى المستقبل ، والى الاشياء البعيدة عن سياق القول ، وحتى الى تلك الاشياء التى لاحاجة لوجودها ، وتلك التى ليس من الممكن ايجادها ، وليس هناك نظام اتصالى خاص بالانسان أو بغير الانسان يبدو أن له شيئا ما يشبه هذه الدرجة من المرونة وقابلية التغير .
وتتحقق هذه السمات السابق ذكرها من خلال اتصاف اللغات البشرية بخصائص أربعة غاية الاهمية وهى : الاعتباطية ، والازدواجية ، والتمايز ، والانتاجية .
اولا : الاعتباطية أو العشوائية .
ويستخدم هذا المصطلح ليعنى : تعذر التفسير من خلال بعض المبادئ الاكثر عمومية ، وأكثر الامثلة وضوحا على الاعتباطية فى اللغة يتصل بالعلاقة بين المعنى والشكل ، بين الاشارة والرسالة ، بين الكلمة ومعناها ، وهناك أمثلة متفرقة فى كل اللغات لما يعرف تقليديا بظاهرة التسمية بالمحاكاة الصوتية ، لاحظ العلاقة غير الاعتباطية بين الشكل والمعنى فى الكلمات الاتية : crash ( يصدم ) فى اللغة الانجليزية ، وكلمة يوسوس فى اللغة العربية ، بيد أن الاغلبية العظمى من الكلمات فى كل اللغات غير مسماة بالمحاكاة الصوتية فالعلاقة بين ألفاظها ومعانيها اعتباطية ، فلفظ كلمة ما لايمكن أن ينبئ عن معناها كما أن معنى كلمة ما لا يمكن أن ينبئ عن لفظها .
ويمكن أن نقول إنه ليس هناك علاقة طبيعية ولا منطقية بين اللفظ والمعنى فيما يتعلق بالاغلبية العظمى من الكلمات فى لغات العالم .
والعرفية بهذا المعنى تزيد من مرونة نظام الاتصال وتعدد استعمالاته ، فاتساع المعجم ليس مقيدا بضرورة التوافق بين الشكل والمعنى من خلال بعض المبادئ الاكثر عمومية ( الطبيعية او المنطقية ) .
ومن ناحية أخرى فان هذه الخاصية لها أثرها فى العبء الكبير الذى يقع على الذاكرة فى عملية اكتساب اللغة ، وارتباط صيغة معينة بمعنى معين يجب أن نعرفه فى كل كلمة بشكل مستقل ، اذن الاعتباطية او العشوئية التى من هذا النوع لها فوائدها وأضرارها فهى تجعل النطام اللغوى أكثر مرونة وتكيفا ، لكنها تجعل تعلمه أكثر صعوبة بالنسبة لاى فرد يتصدى لتفسير هذه الاشارات ولا يعرف النظام ، ولهذا فوائده وأضراره بالنسبة لمستخدمى النظام العاديين ، ومن المفترض أن يتفوق الجانب المفيد على الجانب الضار ، أما معظم النظم الاتصالية الخاصة بالحيوان ففيها رابطة لا اعتباطية بين شكل الاشارة ومعناها .
ولا تنحصر الاعتباطية بقدر ما تلقى اللغة من اهتمام فى العلاقة بين الشكل والمعنى ، فهى تتسع كذلك بدرجة كبيرة لما يتعلق بكثير من البنية النحوية بلغات معينة بقدر ما تختلف نحويا الواحدة عن الاخرى ، ولو لم يكن الامر كذلك لكان تعلم اللغات الاجنبية أكثر سهولة .
2- الازدواجية :
ونعنى بها أن للغة مستويين فوحدات المستوى الاساسى تتكون من عناصر المستوى الثانوى ولكلا المستويين اسسه التنظيمية الخاصة ، وسنلاحظ أننى أدخلت مميزا اصطلاحيا بين عنصر ، ووحدة . ونستطيع أن نعتبر أن عناصر اللغة المنطوقة هى الاصوات أو الفونيمات ، ولا تحمل الاصوات فى حد ذاتها معنى ، ووظيفتها الوحيدة أن يتجمع الواحد منها مع الاخر لتكوين وحدات لها - بصفة عامة - معان محددة ، ويرجع ذلك الى أن عناصر المستوى الادنى وهى الاصغر لا معنى لها بينما عناصر المستوى الاعلى وهى الاكبر لها معنى مميز يمكن التعرف عليه . ومن ثم وصفت العناصر بأنها ثانوية ووصفت الواحدات بأنها أساسية ، ونظم الاتصال كلها لها مثل هذه الوحدات الاساسية لكن هذه الوحدات ليست بالضرورة مؤلفة من عناصر ، ولا يكون للنظام خاصية الازدواجية الا اذا كانت فيه الوحدات والعناصر كلها ، ومعظم نظم الاتصال الخاصة بالحيوان لاتنهج هذا النهج بشكل واضح وتلك التى تنهج هذا النهج لا تتركب وحداتها الواحدة مع الاخرى بالطريقة التى تتركب بها الكلمات الواحدة مع الاخرى فى كل اللغات الانسانية لتكون العبارات والجمل .
وفائدة الازدواجية أنه يمكن أن نركب عددا ضخما من الوحدات المختلفة من عدد صغير من العناصر ، فعدة آلاف من الكلمات – على سبيل المثال – تتركب من ثلاثين أو أربعين صوتا ، ولو أن هذه الوحدات الاساسية اتيح لها التركيب المنظم بطرق متنوعة فان عدد الاشارات المتميزة التى يمكن أن تنقل – وبالتبعية عدد الرسائل المختلفة – سيتزايد بدرجة كبيرة ، وليس هناك حد لعدد الاشارات اللغوية التى يمكن أن تتركب فى لغات معينة .
3- التمايز .
ويقابل الاختلاف المتصل أو المتواصل ، والتمايز فى حالة اللغة خاصة للعناصر الثانوية ، ولكى نوضح ذلك فان الكلمتين bet ، و bit مختلفتان فى الصيغة فى كلتا اللغتين المنطوقة والمكتوبة ، ومن الممكن فعلا أن يصدر صوت حركة بطريقة وسط بين الحركتين اللتين تذكران عادة فى نطق هاتين الكلمتين ، لكننا اذا استبدلنا هذا الصوت بالحركة التى فى bit ، و bet فى السياق نفسه فلن تكون النتيجة أننا سننطق كلمة ثالثة مختلفة عن الكلمتين السابقتين أو تشاركهما خصائصهما ، ولكننا سننطق بشىء ما لا يعد كلمة على الاطلاق أو يعد صورة نطقية خاطئة لاحدى الكلمتين ، فما يميز صيغة معينة فى اللغة – بصفة عامة – ليس الترجيح أو الموازنة وانما العناصر جميعها سلبا أو ايجابا .
وبناء عليه فان التمايز لا يعتمد اعتمادا منطقيا على الاعتباطية ، فهى تتفاعل معها لتزيد من مرونة النظم اللغوية وتعدد استعمالاتها ، فعلى سبيل المثال من الممكن من حيث المبدأ أن تكون كلمتان مختلفتان الحد الادنى للاختلاف غير أنهما متمايزتان فى الصيغة متشابهتان فى المعنى الى حد بعيد وهو ما لا يحدث بوجه عام ، فالكلمتان bet ،و bit لا يزيد الشبه بينهما فى المعنى عن أى زوج تختاره بشكل عشوائى من كلمات اللغة الانجيزية، وحقيقة أن الكلمات التى تختلف الحد الادنى من الاختلاف فى الشكل تختلف عادة فى المعنى الى حد بعيد أكثر من اختلافها الحد الادنى ، لها أثرها فى تعضيد التمايز فى الاختلاف الشكلى بينهما ،ففى معظم السياقات يكون ذكر احداهما أكثر احتمالا الى حد بعيد من ذكر غيرها وهو ما يقلل احتمالات عدم الفهم فى الاحوال الرديئة من الارسال الاشارى ، وفى نظم الاتصال الخاصة بالحيوان يرتبط عادة اللاتمايز ( أى التنوع المستمر ) باللااعتباطية .
4- الانتاجية .
الانتاجية لنظام اتصالى ما خاصية تجعل تركيب الاشارات الجديدة وتفسيرها ممكنا ، ونعنى بالاشارات الجديدة تلك الاشارات التى لم تواجهنا من قبل ، والاشارات لا توجد فى بعض القوائم – مهما كانت ضخامة هذه القوائم – بحيث يجد مستخدم اللغة منفذا اليها، ومعظم نظم الاتصال الخاصة بالحيوان تبدو محدودة للغاية من حيث عدد اشاراتها التى يمكن ان ترسل وان تستقبل من قبل مستخدميها من تركيب أقوال كثيرة بغير حدود – لم يسبق سماعها أو قراءتها من قبل – وفهمها .
وقد لاقت خاصة الانتاجية توكيدا فى المؤلفات اللغوية الحديثة لاسيما تلك التى تعزى لتشومسكى مع اشارة خاصة الى تفسير الاطفال للغة ، وحقيقة أن الاطفال يكون فى قدرتهم فى مرحلة مبكرة الى حد بعيد انتاج الاقوال التى لم يسمعوها من قبل دليل على ان اللغة لا تكتسب من طريق المحاكاة والذاكرة وحدهما .
ويجب أن نؤكد عند مناقشة الانتاجية أنه ليس هناك مثل القدرة على تركيب أقوال جديدة فى اهميتها الحاسمة عند تقييم النظم اللغوية فعلى سبيل المثال القول بأن النظام الاتصالى الخاص الذى تستخدمه مملكة النحل للاستدلال على مصدر رحيق الزهور له خاصية الانتاجية يكون مضللا الى حد بعيد اذا كنا نعنى بذلك أن النظام – من هذه الناحية – يشبه اللغات الانسانية ، فالنحل ينتج اشارات متنوعة كثيرة بلا حدود ( تختلف من حيث ذبذبة أجسامها ومن حيث درجة الزاوية التى تتخذها فى مواجهة الشمس ) غير أنه يوجد اختلاف مستمر فى الاشارات ورابطة لا اعتباطية بين الاشارة والرسالة ، ولا يمكن أن يستخدم النحل هذا النظام ليحمل معلومات عن أى شىء سوى اتجاه مصدر الرحيق والمسافة التى تفصل بينهما .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق