التغيير اللغوى(٢،١)
ترجمة الدكتور / مصطفى التونى
معظم فروع علم اللغة كما هو واضح من فصول هذا الكتاب تأخذ منظورا وصفيا أو تزامنيا تجاه اللغة فى محاولة لوصفها وبيانها فى فترة زمنية بعينها عادة ما تكون الفترة الراهنة على أنها نظام ( فى زمان بعينه ومكان بعينه ) وهو ما يعد تبسيطا مفيدا حقق الكثير من الانجازات على يد اللغويين المحدثين ، وذلك على الرغم من كون اللغات تتغير باستمرار وعلى نحو تدريجى . وقد رأينا فى الفصلين اللذين تناولا اكتساب اللغة الثانية ، وكذا اكتساب الاطفال للغتهم الام كيف بدت اللغة نظاما متغيرا ومتطورا يقدم رؤية قيمة فيما يخص بنيتها واستخدامها . ودراسة اللغة تاريخيا عبر الزمان يساعدنا فى فهم أفضل لتاريخ ما قبل الثقافة . ويناقش هذا الفصل علل التغيير اللغوى ، وخطواته ، وآلياته وهو ما يقع فى اطار اهتمام علم اللغة التاريخى ، وسنناقش فى البداية علل أو أسباب التغير اللغوى ، ونوضح المظاهر الرئيسية للتغيير اللغوى ، ثم نناقش بتفاصيل أكبر بعض آليات التغيير اللغوى ، وفى النهاية سنرى كيف يستخدم اللغويون المعلومات الخاصة بهذه العمليات وهم بصدد اعادة بناء اللغات التى لم يعد أحد يتكلم بها اعتمادا على الشواهد المأخوذة من اللغات التى انحدرت منها .
أهداف هذا الفصل :
بيان كيف ولماذا تتغير اللغات عبر الزمان .
كيف يحدث التغيير الصوتى ؟
كيف يحدث التغيير الصرفى والنحوى ؟
كيف تتغير معانى الكلمات ؟
كيف يعيد اللغوى بناء اللغات التى لم يعد أحد يتحدث بها ؟ ربط التغيير اللغوى عبر الزمان باللهجات والتنوعات الموجودة فى اللغة الواحدة ، وكذلك ربطه باكتساب الاطفال للغتهم الام .
التغير اللغوى (2)
ترجمة الدكتور مصطفى التونى
الشواهد الاتية من الكلام المنسوب الى زمان أسبق ، والتماثلات الموجودة فيما بين اللهجات تكشف عن تغيير اللغة عبر الزمان ، فعلى سبيل المثال فى القرن الرابع عشر وعندما كتب شوسر ( Chaucer ) حكايات كانتربرى كانت الكلمات الانجليزية : see,tooth,make,open, تنطق على نحو مختلف ، كما أن الكلمة اللاتينية / caru / karu بمعنى عزيزى كانت تنطق أيضا على نحو مختلف فيما يتعلق بالحركة الأخيرة التى أصبحت واوا ممالة تجاه الفتحة المفخمة وليست واوا خالصة ، وذلك فى اللغة الاسبانية ، أما فى اللغة الفرنسية فصارت تنطق / شير / وفقا للحروف العربية ، وعلى نحو أكثر معاصرة يمكن أن نقول إن الفارق المميز بين أصوات الحركات فى كلمات مثل pin ,pen, tin, ten قد تلاشى تماما فى لهجات المناطق الجنوبية من الولايات المتحدة الامريكية ، ففى هذه المناطق اندمجت الحركتان ، وذلك قبل الفونيمات الانفية ، وكما يوصف أحيانا علم اللغة بالتاريخية historical يوصف كذلك بالزمانية diachronic ويختص بتناول بيان كيفية تغير اللغات عبر الزمان .
وتتكيف جميع اللغات للوفاء بالسياقات والاحتياجات المتغيرة الخاصة بالجماعات اللغوية ، وتتغير اللغات عادة نتيجة الاحتكاك بلغات أخرى ، وبالتالى بثقافات تلك اللغات ، ولذلك فإن التغير اللغوى يعكس تاريخ الجماعة اللغوية الاجتماعى والسياسى والعسكرى ، وعليه فإن دراسة التغير اللغوى يتيح لنا فهما أفضل لتاريخ الثقافة ، فعلى سبيل المثال احتلت فرنسا انجلترا لمدة ثلاثة قرون عقب الغزو النورماندى عام 1066 م ، وقد كان لذلك تأثير عميق على اللغة الانجليزية وهو ما يتضح من كلمات مستعارة من اللغة الفرنسية لكثير من المفاهيم الخاصة بالمجالات الحكومية والعسكرية والقانونية وذلك مثل : government , nation , parliament , society , royal , law, court , attorney , Judge, crime , jury وتعنى على الترتيب : حكومة ، وأمة ، وبرلمان ، ومجتمع ، وملكية ، وقانون ، ومحكمة ، ومحامى ، وقاض ، وجريمة ، وهيئة المحلفين ، وكلها مستمدة من اللغة الفرنسية على سبيل المثال لا الحصر .
وقد أحدثت القرون الثلاثة من الهيمنة الفرنسية تغييرا فى اللغة الانجليزية على المستوى الصوتى والصرفى والنحوى .
ويتصف التغيير اللغوى بالنظام والمنهجية ، فالتغييرات الصوتية منذ اللغة الانجليزية الوسيطة أثرت بشكل كامل على مجموعة من الاصوات ، وليس فقط على أصوات تلك الكلمات التى ذكرناها من قبل مثل : see, tooth , open , make وهذه المنهجية تسمح للغويين التاريخيين بإعادة قراءة تاريخ اللغات ، وكذلك إعادة بناء الصيغ اللغوية الاسبق ، ومعرفة مجموعة الاشكال التى استخدمتها اللغة طوال تاريخها الذى يمكن استعادته يتيح لنا فهما أفضل للخيارات المتاحة وكذلك القيود المفروضة من حيث البنية والنظام تلك التى تشترك فيها اللغات الانسانية كلها .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق