بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 يوليو 2017


I (١٥) اولى عربى عام + ثانية عربى اساسى ( يعد النبر والتنغيم من الملامح التطريزية فى اللغة العربية ) اشرح ذلك ------------------- التَّنْغيم ودلالته في العربيَّة يوسف عبد الله الجوارنة يعد علم الأصوات من بين العلوم التي اهتم بها العلماء اهتماماً واسعاً في هذا العصر، إذ انبرى في ميدانه الباحثون والمتخصصون، بله المؤسسات العلمية المتخصصة، خصوصاً في الدول التي لها باع في مجال التكنولوجيا؛ فالأجهزة الحديثة المتطورة فيها، كانت خير عون للعلماء في القيام بالأبحاث والدراسات المتصلة بعلوم اللغة المختلفة وفي مقدمتها المجالات الصوتية على مستوى الـ (phonetics)، أو على مستوى ال(phonology)، فوصل العلماء من خلال هذه الأجهزة إلى نتائج دقيقة لا تتوافر في الأبحاث العادية المرتجلة التي يعتورها في غالب الأحيان التخمين والتقريب. والأصوات اللغوية تدرس بشكل عام من جانبين: جانب الأصوات المجردة التي يُركّز فيها على صفات الأصوات ومخارجها، وجانب الأصوات المتَشكَّلة ويُركز فيها على المقاطع والنبر والتنغيم وغيرها. وسوف أتناول موضوع التنغيم كونه واحداً من مجالات علم الأصوات الوظيفي المهمة: مفهومه، ودلالته، وأغراضه، مبيناً الفرق بينه وبين النبر من حيث المفهوم والدلالة وارتباط بعضهما ببعض. وتأتي أهمية التنغيم من تعدد البيئات اللغوية أو اللهجية بتعدد النغمات فيها، فلا تكون هذه النغمات بشكل عام منساقة على وتيرة واحدة في السياقات الكلامية، فمنها ما يكون مستوياً، أو هابطاً، أو صاعداً. وأرجو أن أكون قد وفقت في الوقوف على هذه الظاهرة الصّوتيّة، فإن كان كذلك فلله الحمد والمنّة، وإن كانت الأخرى فحسبي أنني اجتهدت.. والله ولي التوفيق. تعريف التنغيم: كان لتعدّد المناهج النقدية في التحليل الأدبي، أثر واضح في الاهتمام بالنصوص الأدبية وتحليلها، فقد تبنى كل عالم من العلماء منهجاً يكون مجالاً في دراسته وبحثه، بل أنشئت المدارس النقدية ذات المناهج المختلفة؛ فثمة المنهج النفسي الذي يهتم بالدراسات السيكولوجية وأثرها في بيان النص وتشريحه، والمنهج البنيوي الذي يتمثل النص الأدبي وحده بصرف النظر عن سيرة المؤلف وعصره، فهو يتعامل مع البنيّات والمفردات التي تشكّل النّص، وتقود الباحث من خلالها إلى البيئة التي قيل فيها، ومزايا العصر الذي وُجد فيه الشاعر. وكان من بين المناهج النقدية المنهجُ اللغوي، الذي يهتم بدراسة اللغة والأدب دراسة تحليلية من جوانب اللغة المختلفة، الصوتيةِ والصرفيةِ والنحويةِ وغيرها، فهو يركز على لغة النص الأدبي وحدها، ليبرز الجوانب الجمالية فيه من غير التفات للغة النص المدروسة([1]). وبما أن التنغيم وثيقُ الصلة باللغة، فهو يُدرَس بمنهج التحليل اللغوي؛ إذْ يكون التنغيمُ العنصرَ البارز الذي يجلّي النص ويوضحه، (هذا إن كانت الدراسة منصبّة على النصوص وحدها، لأنّ التنغيم لا يختص بالأدب من حيثُ هو شكل وإطار، بل يشمل كل مستويات الكلام)، فالنغمةُ "ظاهرة لغوية لا يختص بها الأدب، ولا يتميز بها على لغة الحديث اليومية، فنحن نشاهد في كلماتنا وأحاديثنا أثراً كبيراً للنغمة في إيصال المعنى([2])". وتغيّر التنغيم يرتبط "ارتباطاً أساسياً بالتغيرات التي تطرأ على تردّد نغمة الأساس أثناء الكلام([3])". ودراسته تعدّ "من أدقّ جوانب الدراسة اللغوية وأكثرها خطورة، بسبب تعدد النغمات في البيئة اللغوية أو اللهَجية الواحدة، وارتباط هذه النغمات بالمواقف النفسية، وارتباطها بالثقافة والتراث والمستوى الاجتماعي([4])". وإنّ المتبصّر في كتب اللغة والأصوات، خاصة الحديث منها، يلحظ أنه لا يخلو كتاب واحد منها دون أن يتعرض للتنغيم ولو بيسير من الكلام. والتنغيم كما يعرفه العلماء والباحثون: "مصطلح يدلّ على ارتفاع الصوت وانخفاضه في الكلام، ويسمّى أيضاً موسيقى الكلام([5])"، بل هو من الظواهر الصوتية التي تساعد في تحديد المعنى، لأنّ "تغير النغمة قد يتبعه تغير في الدلالة في كثير من اللغات([6])"، وتختلف هذه الدلالة من سياق لغويّ لآخر، فوظيفته الدلالية النحوية مثلاً تقتضي منه أن يكون فيصلاً في الحكم بين كون الجملة تقريرية أو استفهامية. الفونيم وعلاقته بالتّنغيم: وبينما عرض العلماء لدراسة الفونيمات في المدارس اللغوية، اختلفوا في تحديد مصطلح الفونيم، ولعل هذا الاختلاف يعود إلى المنهج المتبع في كل مدرسة. وعندما قسموا الفونيمات (وهي أصغر وحدات صوتية تغييرها يغير المعنى، ولها أثر في بنية الكلمة وما يصاحب هذه البنية من معاني ودلالات)، جعلوها قسمين: 1-فونيمات رئيسية: وهي "تلك الوحدة الصوتية التي تكون جزءاً من أبسط صيغة لغوية ذات معنى منعزلة عن السياق([7])". 2-فونيمات ثانوية: وهي "ظاهرة أو صفة صوتية ذات مغزى في الكلام المتصل؛ فالفونيم الثانوية لا تكون جزءاً من تركيب الكلمة، وإنّما تظهر وتلاحظ فقط حين تُضمّ كلمة إلى أخرى، أو حين تستعمل الكلمة بصورة خاصة، كأن تستعمل في جملة([8])". والذي يدقق النظر في مفهوم الفونيم الثانوية، يجد ارتباط التنغيم به واضحاً، فليس التنغيم جزءاً من التركيب اللغوي في الجملة، بل هو حدث طارئ على التركيب يصاحبه، ويتغير نتيجة تغيره في السياق اللغوي الجاري فيه، إذ يربط التنغيم عناصر التركيب بعضها ببعض. النّبر وعلاقته بالتّنغيم: النّبر هو صنو التنغيم مثالاً على الفونيم الثانوية، فلا يكون كذلك جزءاً من تركيب معين، إنما يكون بزيادة كمية من الهواء على صوت أو أكثر من أصوات الكلمة في التركيب الواحد، فيعلو هذا الصوت على بقية الأصوات الأخرى التي تشكل مقاطع الكلمة فيحدث التفاوت قوة وضعفاً بين الأصوات. إذن، فـالنبر هو "وضوح نسبي لصوت أو لمقطع إذا قورن بغيره من الأصوات أو المقاطع المجاورة؛ فالصوت أو المقطع الذي ينطق بصورة أقوى يسمى صوتاً منبورا([9])، أو هو "قوة التلفظ النسبية التي تُعطى للصائت في كل مقطع من مقاطع الكلمة، وتؤثر درجة النبرة في طول الصامت وعلو الصوت([10])" والصوت المنبور عند النطق به "نلحظ أن جميع أعضاء النطق تنشط غاية النشاط؛ إذْ تنشط عضلات الرئتين نشاطاً كبيراً، كما تقوى حركات الوترين الصوتيين ويقتربان أحدهما من الآخر، ليسمحا بتسرب أقل مقدار من الهواء فتعظم لذلك سعة الذبذبات([11])" وهكذا، فإن للنبر أثراً في تغيير بنية الكلمة من معنى صرفي إلى آخر، فأنت لو نطقت كلمة (كَتَبَ) مثلاً بفتحة على عين الفعل، لوجدت أن الأصوات فيها متساوية نبراً، لكن إذا ما نطقتها ب(كَتَّبَ) بالتضعيف، فإن عين الفعل تفاوت في النبر عن الأصوات الأخرى، مما جعله يَنقل الكلمة إلى بنية أخرى ذاتِ دلالة معينة، وهذا ما أشار إليه الدكتور كمال بشر بقوله: "ومن البديهي أنّ تغيير الصفة الصرفية، يؤدّي إلى نوع من التغير في الوظائف النحوية والدلالية([12])". من هنا جاءت أهمية النبر والتنغيم في الدراسات اللغوية، فالتنغيم" صلته بالنبر وثيقة، فلا يحدث تنغيم دون نبر للمقطع الأخير من الجملة، أي في الكلمة التي تقع في آخر الجملة([13])"، وهما من الوحدات الصوتية التي "لها وظيفة معينة في التركيب الصوتي، لأنها جزء أساسي منه، فهي ليست ظواهر تطريزية وإنما فونيمات أساسية أو أولية([14])". ويرى بعض الباحثين أن دراسة هذه المباحث الصوتية، فيه نوع من المجازفة والتطاول على اللغة، يقول الدكتور تمّام حسّان([15])": ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن دراسة النبر ودراسة التنغيم في العربية الفصحى، يتطلب شيئاً من المجازفة؛ ذلك لأن العربية الفصحى لم تعرف هذه الدراسة، ولم يُسجّل لنا القدماء شيئاً على هاتين الناحيتين، وأغلب الظن أن ما ننسبه للعربية الفصحى في هذا المقام، إنما يقع تحت نفوذ لهجاتنا العامية، لأن كلّ متكلم بالعربية الفصحى في أيامنا هذه، يفرض عليها من عاداته النطقية العامية الشيء الكثير". ولعلّ مثل هذا الكلام فيه مجازفة على اللغة العربية؛ ذلك أن العرب وإن لم يُفرِدوا لهذه المسائل أبحاثاً مستقلة، فلا يَعني أنهم أغفلوا الحديث عنها وتركوها طيّ النسيان، فهما (النّبر والتّنغيم) في ذلك مثل الصرف في بداية النحو العربي، كانت مسائله تُدرس مع النحو، وبقيا توأمين مرتبطين إلى أن انفصلا وصار الصرف علماً قائماً بذاته له علماؤه وتصانيفه. وإنّ نظرة إلى كتب النحاة واللغويين، ترينا عناية هؤلاء العلماء بمثل هذه المباحث، فهذا ابن جني يشير إشاراتٍ لطيفةً إلى النبر والتنغيم عندما عرض لكلام العرب([16]): "سير عليه ليل" بقولـه: "وكأن هذا إنما حُذفت فيه الصفة لمّا دل من الحال على موضعها، وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح (التطويل) والتضخيم والتعظيم، ما يقوم مقام قوله (طويل) أو نحو ذلك. وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وذلك أنك تكون في مدح إنسان والثناء عليه فتقول: كان والله رجلاً، فتزيد في قوة اللفظ (والله) وتتمكّن من تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها؛ أي رجلاً فاضلاً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنساناً! وتمكّن الصوت بـِ (إنسان) وتفخّمه فتستغني بذلك عن وصفه بقولك: إنساناً سمحاً أو جواداً أو نحو ذلك. وكذلك إذا ذَمَمْته ووصفته بالضّيق قلت: سألناه وكان إنساناً! وتُزري وجهك وتقطّبه فيغني ذلك عن قولك: إنساناً لئيماً أو إنساناً لحِزاً (ضيّق الخلُق) أو نحو ذلك". ألا تدلّ هذه الأمثلة من كلام ابن جني على أهمية النبر والتنغيم؟! لعل ذلك يُترك للقارئ أو السامع كي يتذوق النص ويفهمه ويُصدر حكمه ثمة عليه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العرب وإن لم يضعوا تصانيف في التنغيم فلا يعني بأي حال من الأحوال أن نصرف عنه الاهتمام به؛ فتكاد لا تخلو منه أية لغة من لغات العالم، حيث تَكتسب اللغات الحية رونقها وجمالها إذا اتخذته أساساً في التواصل بين الأفراد خطاباً ومحادثة؛ فالتنغيم يميّز لغة الخطاب عن اللغة المكتوبة، فهو في الأولى كما الترقيم في الثانية، كلّ منهما يقوم بوظيفة دلالية في تحديد المعنى. دلالة التنغيم: ذكرنا سابقاً أن دراسة التنغيم من أهم جوانب الدراسة الصوتية خصوصاً واللغوية عموماً، بل من أكثرها خطورة بسبب تعدد النغمات في البيئة أو البيئات اللغوية، فالتنغيم "تغييرات موسيقية تتناوب الصوت من صعود إلى هبوط، أو من انخفاض إلى ارتفاع، تحصل في كلامنا وأحاديثنا لغاية وهدف، وذلك حسب المشاعر والأحاسيس التي تنتابنا من رضى وغضب ويأس وأمل وتأثر ولا مبالاة، وإعجاب واستفهام وشك ويقين، ونفي أو إثبات، فنستعين بهذا التغيير النغمي الذي يقوم بدور كبير في التفريق بين الجمل؛ فنغمة الاستفهام تختلف عن نغمة الإخبار، ونغمة النفي تختلف عن نغمة الإثبات([17])". وهذا ما أشار إليه الدكتور سمير ستيتيّة بقولـه: "قد تكون النغمة نغمة تفاؤل ويسميّها بعضهم النغمة الوجدانية، وقد تكون تشكّك أو ضجر أو يأس أو استسلام، أو غير ذلك مما له علاقة بسيكولوجية المتكلم([18])". هذا ما يحدث في التنغيم، فهو حَكَم في دلالات التراكيب والجمل، إذْ يغيّر الجملة من تركيب إلى آخر ومن باب إلى باب... وبذلك يتمايز عن (النبر)، حيث "يعمل التنغيم على مستوى الجملة وليس على مستوى الكلمة([19])"، في حين يكون النبر على الكلمة وحدها ويدل على حدودها. وهكذا فإن المتتبع لكلام الناس، يلحظ التنغيم ظاهراً في كلامهم؛ فحديث التواصل بينهم وخطابهم بعضهم بعضاً، يكون التنغيم فيه أوسع من الكلام المكتوب. وهذه بعض الأمثلة يكون فيها هذا النغم الموسيقي ذا دلالة في الكلام: *قال تعالى: ]قالوا: فما جزاؤُه إنْ كنتم كاذبين؟ قالوا: جزاؤُه؟ مَنْ وُجِد في رَحْله فهو جزاؤه[. (يوسف: 74، 75) هذه الآية يكون التنغيم في جزئها الثاني محوراً رئيساً في تحديد الأبواب والتراكيب؛ فالجزء الثاني تُقرأ فيه جملة "قالوا: جزاؤه؟" بنغمة الاستفهام، وجملة: "من وُجد في رحله فهو جزاؤه" جملة واحدة على التقرير، وتقرأ أيضاً على التعجب والاستهجان: "قالوا: جزاؤه! من وجد في رحله فهو جزاؤه"، ويمكن أن تُقرأ على التبرّم والانزعاج، ويظهر ذلك جليّاً من خلال الحديث والكلام المنطوق أكثر من الكلام المكتوب الذي يحدد التنغيمَ فيه الترقيمُ. *قال الشاعر عمر بن أبي ربيعة عند سؤاله عن محبته لمحبوبته: قالوا: تحبّها. قلت: بَهراً عدد النجم والحصى والترابِ فجملة (تحبها) يمكن أن تقرأ على غير وجه، فهي تكون للاستفهام وهو أقواها، وتكون للتقرير وهو ضعيف: قالوا: تحبها؟ قلت: بهراً (على الأول) قالوا: تحبها. قلت: بهراً (على الثاني) ويحتمل أن تكون للاستغراب والتعجب، قالوا: تحبها! قلت: بهراً، وهو أضعف الاحتمالات. *وملاحظة الجانب الصوتي مهم جداً، فلكي([20]) يحدّد الشخص معنى الحدث الكلامي، لابد أن يقوم بملاحظة الجانب الصوتي الذي يؤثر على المعنى مثل التنغيم، ولعلّ ما يردده الإمام في الصلاة من تكراره تركيب "الله أكبر" مثل على ذلك، فالصوت هو الذي يتحكم بالمأمومين في الصلاة، فهو حين يرفع من السجود الثاني مثلاً يكون المأموم أمام حالتين: 1-إن رفع الإمام صوته بنغمة صوتية صاعدة، عرف مَن خَلْفه أنه ينبههم إلى القيام (باعتبار هنا أن المأموم يتابع حركات الإمام بصرف النظر عن الخشوع أو عدمه). 2-وإن هو جعل الصوت على وتيرة واحدة وكانت النغمة مستوية، عرف المأمومون بذلك أن الإمام يريد الجلوس للتشهد. فالتنغيم هو الذي يحكم ذلك، إذْ كنتَ تجد في بعض الأحيان الإمامَ ينتصب قائماً وبعضُ المصلين جلوس، والعكس كذلك صحيح، وكل ذلك نتيجة خطأ الإمام في النغمة الموسيقية الصادرة عنه. *والتنغيم هو الذي يبرز خصائص بعض الأساليب والتراكيب التي تكون محذوفةً بعضُ عناصرها فمثلاً، هناك التراكيب التي تحتوي على أدوات استفهام وليست استفهامية، وتلك التي لا تحتويها والسياق يشير إلى الاستفهام فيها. فمثال الأول قوله تعالى: ]هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا[ (الإنسان:1)، حيث حرف الاستفهام (هل) لا يشير إلى الاستفهام لأن الدلالة عن طريق التنغيم تقتضي التقرير، ويكون الحرف (هل) بمعنى (قد). ومثال الثاني قوله تعالى: ]يا أيها النبي، لمَ تحرّم ما أحل الله لك؟ تبتغي مرضات أزواجك[ (التحريم: 1). ففي قولـه تعالى: ]تبتغي مرضات أزواجك[ يُلحظ التقرير؛ فأنت يا محمد تحرّم الحلال ابتغاء مرضات أزواجك، غير أن دلالة التنغيم تشير إلى الاستفهام الإنكاري: "تبتغي مرضات أزواجك؟"، أي لا تحرّم الحلال مرضاة أزواجك. *ومن الأمثلة التي تبين أثر التنغيم في دلالاتها قولك: أحمدُ أخوك علاّمةٌ. فهذا التركيب يتكون من عدة جمل يفصل بينها جميعها التنغيم، فهو يقرأ بالصور التالية: 1-أحمدُ أخوك علاّمةٌ. (جملة تقريرية إخبارية ذات نغمة مستوية)([21]) 2-أحمدُ أخوك، علاّمةً (جملتان: الأولى تقريرية والثانية حالية. كأنك تقول: أحمد أخوك، وهو علامة.. فالنغمة على الأولى مستوية، وهي على الثانية تظهر صاعدة لأنك ترفع الصوت عندها). 3-أحمدُ أخوك علامةٌ (جملة استفهامية ذات نغمة صوتية صاعدة في كل أجزائها) 4-أحمدُ، أخوك علامةٌ. (جملتان: ندائية وخبرية) 5-أحمد، أخوك علامةٌ؟ (جملتان: ندائية واستفهامية) وهكذا ترى من خلال هذا التركيب([22])، أن للتنغيم أنواعاً من النغمات الصوتية، فقد يكون التنغيم صاعداً كما في الاستفهام والتعجب أو التحذير كقول الشاعر: أخاك أخاك إنّ من لا أخاً لـه كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح وقد يكون التنغيم مستوياً أو هابطاً([23]) أو يتراوح بين الهبوط والصعود في بعض الجمل كما في الخبرية والاستفهامية. أغراض التنغيم: للتنغيم أغراض كثيرة منها: 1-الموافقة كما في قول الشاعر: قالوا: صغيرٌ. قلت: إنّ. وربما كانت به الحسراتُ غيرَ صغار فـ(إنّ) بمعنى (نعم) وتدل على الموافقة. ولو قال الشاعر: لا، لانصرفت الدلالة إلى الرفض والانزعاج. 2-الزجر كما في قولك: لا إنسان يشرب الخمر: تنطق (لا) بنغمة صوتية صاعدة يفهم منها النهي والكف عن الفعل. القرآن والتّنغيم: إذاً كانت الدلالات في الكتابة تتحدّد بعلامات الترقيم، وتتحدّد في الكلام عن طريق التنغيم، فإنها في القرآن الكريم لا تتحدد إلا بوساطة التجويد، وهو العلم الذي نصون به اللسان عن الخطأ في لفظ القرآن. ولما كان كلام الله سبحانه وتعالى منزّهاً أن يكون مثلَه كلامُ البشر؛ فإن التنغيم بمفهومه السالف لا يمكن أن يقرأ به القرآن الكريم، وما ورد هنا من آيات قرآنية كان الغرض منها بيان التنغيم باعتبارها شواهد على هذه الظاهرة. ويبقى التجويد علامة دالّة للقرآن لا تجوز القراءة فيه إلا به، وأعتقد أن تطبيق التنغيم عليه قراءةً من باب المحال، وإن حاولنا ذلك فإننا نخرج عن السّمت الذي اختص به؛ كما لو جرّبت أن تجوّد كلام البشر أو حتى الحديث النبوي الشريف، فإن ذلك يكون نشازاً. الخلاصة: وبعد فقد خلصت إلى أن التنغيم: * دلالته نحوية في المقام الأول، بعكس النبر الذي لا تخرج دلالته عن كونها صرفية؛ لأن مجال التنغيم إنما هو التراكيب، والنبر مجاله الكلمات. * تستخدمه اللغات الحية بحسب طرائقها الكلامية وخصائصها النطقية والعربيةُ من بين اللغات بل وأقواها استخداماً للتنغيم والنبر على السواء، وهو في اللهجات المحكية أكثر انتشاراً ويحتل القسم الأكبر في حديث الخطاب والتواصل بين الناس. * عرفه العرب والنبرَ قديما وإن لم يفردوا فيهما تصانيف. * لا يمكن قراءة القرآن به بالمفهوم اللغوي للتنغيم. المراجع 1-القرآن الكريم 2-إبراهيم أنيس: *الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو المصرية، ط5، 1979. *دلالة الألفاظ، مكتبة الأنجلو المصرية، ط5، 1984. 3-أحمد مختار عمر: علم الدلالة، عالم الكتب، القاهرة، ط3، 1992. 4-تمّام حسّان: مناهج البحث في اللغة، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط2، 1974. 5-خليل عمايرة: في نحو اللغة وتراكيبها، عالم المعرفة، جدّة، ط1، 1984. 6-سعد مصلوح: دراسة السمع والكلام، عالم الكتب، القاهرة، 1980. 7-عبد القادر أبو شريفة وآخرون: علم الدلالة والمعجم العربي، دار الفكر، عمَّان، ط1، 1989. 8-عبد الكريم مجاهد: الدلالة اللغوية عند العرب، دار الضياء، د. ت. 9-كمال بشر: علم الأصوات، دار المعارف، القاهرة، 1986. الدوريات 10-مجلة آداب المستنصرية، الجامعة المستنصرية/ العراق، ع16، 1988. 11-مجلة الفكر العربي، معهد الإنماء العربي/ بيروت، ع26، 1982. 12-مجلة مجمع اللغة العربية، دمشق، المجلد 60، الجزء 4، 1985.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق